وهم ثراء كير الكراهية: بداية و نهاية….
تانيد ميديا : “تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية. يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي”
المادة الأولى من الباب الأول من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
فشلت قواعد المخلفين عن فيء الوئام، في تطويع قرانهم الماروني بين العمل السياسي وخطاب الكراهية لتقسيم المكون العربي في موريتانيا، ليعاودو في نسختهم المستحدثة لامتطاء رئاسيات 2024، و جلب الاحتقان للوطن بالترويج لعدوانية الروابط بين مختلف المكونات الوطنية، والتي لا وجود لها خارج سقم نفوسهم المتمرسة تقسيط الأواصر و الحقد المجاني، عوضا عن فشلهم في خلق روابط الكرامة بالأهالي والوطن.
المشروع العنصري:
وصف الكاتب الصحفي و الإعلامي الموريتاني عبد الله ولد اتشاغ المختار، في حوار تلفزيوني، رئيس “افلام” صمبا اتيام بالعنصرية، فلم يحاول حتى التملص من الاتهام، وطفق بازدراء تام يلوك علنا المواقف المؤسسة لاتهامه.
تكفلت جمعية مسجلة في إحدى دول الجوار، بتوزيع “برنامج” رئيس ” إيرا”، لرئاسيات 2024، الصادر في الخامس عشر مايو من نفس العام، حيث سهلت عملية تحميله على موقعها الالكتروني، في نسخته الأصلية باللغة الفرنسية الواردة في إحدى عشرة صفحة من الحجم المتوسط، إضافة لنسخة مترجمة إلى اللغة العربية وبصفة تقريبية في ثمان صفحات من نفس الحجم. اعتمد، ربما، عن غير وعي، كشعار، رسم رأس أسد، متوفر على الشبكة، تعود ملكيته لمصنع للأكواب في بلجيكا، يستخدمها كعلامة تجارية مميزة للجزء السفلي لأكواب من الخزف خاصة باحتساء عينات رديئة من النبيذ.
استفاد رئيس ” إيرا”، في وقت مبكر من دعم وتبني حركة ” افلام” لترشحه، إضافة إلى منظمات محسوبة عليها، ناشطة في مناهضة اللغة العربية. شكل قرار ” افلام ” بعودة رئيسها وبعض المقربين منه إلى موريتانيا سببا لخلاف بين أعضاء هيئاتها القيادية، تم تجاوزه بالإبقاء على المنظمة كمرجعية وحاضنة لجميع الأطراف مع حرية العائدين في إنشاء حزب سياسي كغطاء لنشاطات “افلام” المعلنة في موريتانيا.
المرجعية الصهيونية:
اعتبر النص المتدثر بالكراهية، برنامجا انتخابيا لمرشح ” المعارضة الراديكالية “، و تجمع Les Justes، اقتباسا من تسمية النشطاء الأوروبيين الذين أنقذوا اليهود من إبادة النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية، كإسقاط على وضعية الأقليات الزنجية في موريتانيا.
ورد النص مسترسلا على شكل منشور سياسي قطعت أوصاله شعارات عنيفة، أحالته إلى فقرات متفاوتة الطول والسعة، خاوية من الواقع الموريتاني وما يفترض أنه مستقبل يلجه الموريتانيون بفضل مشروع سياسي، بغض النظر عن نواقصه وإخفاقات استشرافه. ضلت ذائقته الأدبية طريق الصواب، واكتمل في متنه تراث اضطهاد اليهود ومسار مواجهتهم لمشروع إبادة الأوروبيين لمن يعتبرونهم “قتلة” المسيح عليه السلام، مع استعارة نكهة مفردات ثورية هجينة، بموهبة أقل، في تأرجح سخيف بين بورجوازية الثورة الفرنسية وانتفاضة بنات ليل باريس نهاية ستينيات القرن العشرين، في قالب من مديح بغيض للغرب والانبهار بالامبريالية، بعد تبرئتها من وطأة مآسي العالم، و متعة زائدة في تحميل رؤساء موريتانيا وجيوشها مسؤولية العدوان الثلاثي على أرض الكنانة وقوافل الأرقاء المجردة من إنسانيتها في جزيرة كوري.
استهل برنامج رئيس ” إيرا “، مدخله باستهداف عرقي صريح لقبائل موريتانيا معتبرا تراثها مرجعية للظلم، مشددا على ضرورة قلب موازين القوى بالتحرر من الدين واللغة، كعوائق بنيوية، بمواصلة وتنويع الكفاح من أجل إقامة ” جمهورية عقلانية”، تقر حتمية القطيعة التاريخية والقدرية، ملوحا بمصير التفكك والاقتتال البيني، كلما تأجل إرساء الهوية الجديدة للمجتمع والدولة، الناسفة لضوابط المرجعية الروحية والثقافية والديمقراطية الواردة في دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
تناول النص في أكثر من فقرة فارة من فقر الانسجام الفلسفي والسياسي، مؤسسات الجمهورية المدنية والعسكرية، متوعدا بالاعتراف العلني بممارسة الدولة والمجتمع للعنصرية بجميع أشكالها، واستحداث ما يترتب عن ذلك من آليات قانونية، شدد كذلك البرنامج على ضرورة اعتماد جملة من الحريات الفردية والجماعية، تضمنها الدستور، مع تعهد باعتماد جميع المواثيق الدولية في هذا الصدد، دون تفصيل، بما فيها تلك التي ترسي عقيدة الشرك و حقوق العقوق و الشذوذ والمثلية و التحول الجنسي وتفشي الفاحشة.
اعتبرت كذلك الوثيقة الخلفية الحضارية لموريتانيا مجرد تأريخ للانحطاط، وأمجادها، خصوصا بطولات المقاومة مجرد تكريس للديماغوجية والشعبوية، مطالبين عبر تطريز من الازدراء بالقطيعة والإقلاع عن الاقتداء بالموروث الروحي، الثقافي، المعنوي، والبطولي؛
سرقت الوثيقة رماد أفكار اندثرت في مجتمعاتها الأصلية وفقدت منذ زمن بعيد قدرة التأثير فيها. و لازال رسمها غائبا عن أفئدة، من فرضت عليهم كيافطة لمزاحمة إرادة الشعب الموريتاني. حاولت الوثيقة ملء الفراغ الأستتيكي بنشر صور فشلت في بلوغ مرام تراحم الألوان وانسجام نواميس الإيتيكيت.
الإرهاب:
أتاح واقع الانفتاح السياسي و التبني الفعلي للأبعاد القانونية و الاجتماعية للمشهد الحقوقي، خذل محاولات اختزال الحياة السياسية والتنموية في تشهير خطاب الكراهية، كواجهة لإرهاب الشعب والدولة، بعد إفراغه من إغراء الباحثين عن السبق الصحفي على مستوى الإعلام الدولي.
أمام خنق العزلة لأبواق ” افلام “، اضطرت لتركيز جهودها على محاولات اختراق الجبهة الداخلية، عبر حملة مرشحها الحصري لرئاسيات 2024، لبعث الروح في خطابها الانفصالي وطرحها الشوفيني.
سخرت حركة ” افلام “، وسائطها الإعلامية وخلاياها النائمة واليقظة لدعم رئيس “إيرا “، وإنعاش حملته الانتخابية في الداخل والخارج، وظهور رئيسها صمبا اتيام، في المهرجانات من داخل الوطن، عبر الإعلام المحلي والدولي، في شرح مستفيض لمشروعهم الإرهابي لرئاسيات 2024، فضلا عن استغلالها لمنابر الحملة في أوروبا وأمريكا و إفريقيا للترويج لخطابها الانفصالي والتشهير بالبلد باسم إدارة حملة رئيس” إيرا”.
انتظمت محتويات الماكنة الإعلامية لحركة “افلام”، على التحريض ضد الأغلبية العربية بمكونيها، وكذلك وجهاء ومرجعيات الهلبولار والسوننكي والولوف، فضلا عن الاستهداف الصريح للمؤسسات السيادية وقادة المعارضة و المثقفين والمرجعيات الروحية الصوفية والقبائل والمنظمات الشبابية والحقوقية؛ عبر مجهود إجرامي لنسف انتظام الحياة والإفساح لانهيار الدولة وتفكيك المجتمع. طوعت ” افلام “، لمشروع الهدم خطاب رئيسها وابنته القيادية في الحملة الإعلامية لمرشحهم، إضافة إلى عشرات الشباب من مغني الراب، المتنكرين في بزات عسكرية لتمرير خطاب دموي بالبولارية والحسانية، ضد الدولة ومؤسساتها والشعب ومكوناته.
خرجت الأمور عن الفعل السياسي والنهج الديمقراطي، لتستقر تحت مقصلة القانون الكفيل بحماية الأمة والعالم من أوهام ثراء كاتب ضبط هارب من الخدمة، ووقاحة كهل شاب مفرقه على ظمإ الصواب.
بقلم : عبد الله حرمة الله